هل يعتبر قانون الجرائم الإلكترونية في الأردن لعام 2023 مدخلا الى المزيد من التنظيم والضرائب؟
البوابة – هنالك مواد الواردة في قانون الجرائم الإلكترونية الجديد في الأردن لعام 2023، الذي صادق عليه البرلمان يوم الثلاثاء، تشير الى أجندة تنظيمية أوسع لدى الحكومة تمتد الى ما بعد المخاوف المتعلقة بتكميم النقد العام وانتهاك الخصوصية.
فمشروع القانون هذا، بانتظار موافقة الملك عبد الله الثاني، يرسي الأسس القانونية للتنظيم التشريعي لشبكات ومنصات التواصل الاجتماعي.
والمادة (37) من قانون الجرائم الإلكترونية الجديد في الأردن لعام 2023 تنص على أن على شركات التواصل الاجتماعي إنشاء مكاتب لها في الأردن، بحسب ما أوردته قناة المملكة.
أما عدم الامتثال للقانون ومواده والفترات المحددة فيه، فإنه سيعرض هذه الشركات لمجموعة متنوعة من العقوبات. والتي تتراوح من حظر الإعلانات على منصاتها إلى فرض الغرامات وتقييد الوصول والنطاق، وصولاً إلى حظر المنصات تمامًا.
هل يعد قانون الجرائم الإلكترونية الجديد في الأردن لعام 2023 مقدمة لفرض الضرائب على منصات التواصل الاجتماعي؟
إن لمطالبة شركات التواصل الاجتماعي بإنشاء مكاتب لها في الأردن غرضاً متعدد الأوجه.

أولاً، فإن من شأن ذلك أن يساعد – من حيث المبدأ – في توسيع نطاق وصلاحيات السلطات الأردنية ليشمل المحتوى المتداول على منصات وشبكات التواصل الاجتماعي، محليًا وربما حتى خارجيًا.
كما وسيشكل ذلك سابقة خطرة. وإذا أدركت الحكومة هذه الأهداف، فإنها ستكون قادرة – جزئيًا على الأقل – على التحكم بالرواية الشعبية حتى عندما فيما يخص الموضوعات المتعلقة بالأردن. وسيسمح ذلك للسلطات بفرض متطلبات قانونية محلية من شأنها إجبار الشركات على إدارة تطبيقاتها بما يتوافق ومتطلبات كل بلد على حدة. وقد يشمل ذلك سياسات الخصوصية والمحتوى.
أما فيما يتعلق بما إذا كان الأردن سيتمكن من تعزيز هذا التشريع بقوانين وأنظمة أخرى خاصة بالقطاع، وما إذا كانت شركات التواصل الاجتماعي ستوافق عليه وتلتزم به، فتلك مسألة مختلفة تمامًا.
ثانيًا، من منظور تجاري وإقتصادي، فإن ذلك سيؤدي أيضًا إلى توسيع نطاق الضرائب الحكومية ليشمل عمليات هذه الشركات في الأردن، من خلال مكاتبها.
بين عامي 2017 و 2018، اندلعت المعركة القانونية والتكنولوجية بين الحكومة الأردنية وسيارات الأجرة من جهة، وخدمات نقل الركاب، أوبر وكريم وسائقيها، من جهة أخرى.
خلال معظم هذه الفترة، تم حظر هذه التطبيقات، ونفذت السلطات حملات موسعة لتغريم السواقين. كما وقد كانت هذه واحدة من أول الحالات التي يتم فيها حظر الشبكات الافتراضية الخاصة المعروفة بالـVPN. كونها ساعدت المستخدمين على التحايل على الحظر الذي تفرضه شركات الاتصالات على التطبيقات، بأمر من الحكومة.
طالبت الحكومة في حينه الشركات بتأسيس مكاتب لها في الأردن أيضًا ودفع الضرائب على الخدمات التي تقدمها للناس في الأردن.

طبعا، قاومت أوبر وكريم هذه الشروط لأطول فترة ممكنة. لكنهم استسلموا في النهاية. واليوم، فهما يتربعان على عرش التطبيقات القليلة المسجلة رسميًا في الأردن؛ وهي خاضعة للضرائب.
لا تتوافق فكرة أن هنالك خدمة يستخدمها الأردنيون على نطاق واسع غير خاضعة للضريبة وغير منظمة وغير مرخصة من قبل هيئة حكومية أردنية مع تطلعات الحكومة. كما وقد مارس سائقو سيارات الأجرة ضغوطًا على الحكومة لأشهر لحثها على حظر التطبيقات تمامًا، بحجة أنها كانت تضر بأعمالهم.
عموما، فقد كان الدافع الذي أعلنت عنه الحكومة في ذلك الوقت هو خلق سوق أكثر عدالة للقطاع المحلي وسيارات الأجرة ووسائل النقل العام. كما وحمايته من السوق التنافسي العالمي الكبير، الذي تمثل بدخول أوبر وكريم السوق الأردني.
أما اليوم، عندما يتعلق الأمر بوسائل التواصل الاجتماعي ، فما أو من الذي تحميه الحكومة؟
الدوافع غير المعلنة وراء قانون الجرائم الإلكترونية الجديد في الأردن
تسعى الحكومة الأردنية لخلق مصادر جديدة للدخل والضرائب منذ سنوات ل تمويل العجز المتكرر والمتنامي في الميزانية.
ومنذ عام 2016 ، تم بذل العديد من الجهود وتنفيذ عدد من البرامج مع صندوق النقد الدولي لتوسيع القاعدة الضريبية في الأردن. وعليه، تم إدخال قوانين جديدة على شكل إصلاحات للنظام الضريبي، إلى جانب إلغاء الدعم جزئيا عن عدد من السلع الأساسية. وهو ما أدى بدوره إلى احتجاجات عام 2018، والتي ساهمت في استقالة الحكومة آنذاك.
مع ذلك، فمن المحتمل انه من هنا جاءت الحكومة بفكرة فرض ضرائب على شرائح جديدة في الاقتصاد والمجتمع وخلق تدفقات جديدة للإيرادات.
صحيح أن الحكومة انتصرت في المعركة ضد أوبر وكريم، لكن هل ستتمكن من شركتي ميتا (Meta) وتويتر (Twitter)؛ التي أصبح اسمها إكس (X)؟
هل تنصاع ميتا وتويتر لنصوص قانون الجرائم الإلكترونية الجديد في الأردن لعام 2023؟
الأرجح هو أنهم ان يلتزموا بالقانون. ومن المهم عند الاجابة عن هذا السؤال أن ندرك أن حجم السوق يعد عاملا أساسيًا فيما يتعلق بما إذا كانت شركات وسائل التواصل الاجتماعي ستستسلم كما فعلت أوبر وكريم في الأردن.
دوليا، تستحوذ أوبر وكريم مجتمعتان على حصة سوقية من 143 مليون مستخدم؛ 50 مليون مستخدم لتطبيق كريم و93 مليون مستخدم لأوبر، حسب بيانات الشركات الرسمية.
وتقدرمنصة الاحصاءات العالمية ستاتيستا (Statista) أن هنالك 1.9 مليون مستخدم لتطبيقات النقل في الأردن. وهو ما يشكل ذلك 1.3 بالمئة من السوق العالمي المشترك لأوبر وكريم.
وجب التنويه هنا الى أن حصة 1.3 في المائة من السوق العالمية هي نسبة معتبرة. كما وتعكس هذه الحصة معدلات اختراق عالية، في ظل القيود والتعقيدات الحكومية طوال عامين تقريبا. كما وتقدر ستاتيستا أن عدد المستخدمين في الأردن سينمو إلى 2.05 مليون مستخدم بحلول عام 2027.
لكن الأمر ذاته لا تنطبق على منصات التواصل الاجتماعي. فهي عند حدها الأعلى من معدلات الاختراق، دون أن تواجه أي مقاومة ملحوظة، حتى الآن. يمكننا أن نفترض إذا أن سوق منصات التواصل الاجتماعي في الأردن قد وصل سقفه نسبيا، ضمن المعطيات الراهنة، من عدد سكان وقدرات شرائية وغيره.

فما مدى أهمية سوق الأردن بالنسبة لمنصات التواصل الاجتماعي الكبرى مثل ميتا وتويتر؟

في يناير 2023، تم رصد 6.61 مليون مستخدم لوسائل التواصل الاجتماعي، وفقًا لموقع داتا ريبورتال (DataReportal.com). وتفصل منصة نابليون كات (Napoleon Cat) أن الأردن فيه 3.5 مليون و7.3 مليون مستخدم على انستاغرام وفيسبوك، على التوالي.
Source: StatCounter Global Stats – Social Media Market Share
كما وقد وصل عدد مستخمو تويتر (المسماه إكس اليوم) الى أقل من مليون مستخدم في الأردن، وفقًا لما أوردته جريدة الجوردان نيوز.

أما عالميا، فاعتبارًا من أبريل 2023 ، فقد وصل عدد مستخدمي فيسبوك الى ما يقارب 3 مليارات مستخدم نشط ، وفقًا لداتا ريبورتال، ولدى انستاغرام 2.35 مليار مستخدم نشط، وفقًا لموقع ديماند سيج (Demand Sage).
عليه، فإن سوق الأردن يشكل حوالي 0.14 بالمئة من سوق انستاغرام العالمي و 0.24 بالمئة من سوق فيسبوك.
وبالنسبة إلى تويتر، فسوق المستخدمين النشطين في الأردن يشكل 0.2 فقط من سوقها العالمي.
حصة الأردن في السوق العالمية لشركات التواصل الاجتماعي العملاقة – من منظور تجاري – غير مهمة كثيرا بالنسبة لهذه الشركات، أو على الأقل ليست مهمة بما يكفي للتنازل عن سياساتها وتخضع للقانون الجديد في الأردن.
وكما أوضحنا سابقًا، فإن هنالك خطر إضافي ينضوي على تطبيقها القانون، وهو أن الامتثال لقانون الجرائم الإلكترونية الجديد في الأردن لعام 2023 سيشكل سابقة يمكن للدول الأخرى إستخدامها لإجبار الشركات على ذات الاشتراطات.
ماذا لو لم تمتثل منصات التواصل الاجتماعي لمتطلبات قانون الجرائم الإلكترونية الجديد في الأردن لعام 2023؟
ما سيحدث على الأغلب، إذا تم تمرير القانون ودخل حيز التنفيذ، هو أنه سيتم حظر منصات وسائل التواصل الاجتماعي الكبرى هذه في غضون بضع سنوات.
بعدها، ستظهر منصات جديدة في الأردن، كما ظهرت في إيران وحتى في كوريا الشمالية، والتي قد يكون من الصعب تنظيمها في الوقت الذي تزحف فيه شبكات التواصل الاجتماعي إلى الفضاء المظلم من الشبكة العنكبوتية. وهو ما يعرف بالانترنت المظلم.
حتى الآن، فقد تم حشد عدد من الاحتجاجات والإعتصامات خلال الأسابيع القليلة الماضية. وتم تقديم عدد من المذكرات والعرائض إلى مجلس النواب ونقابة الصحفيين الأردنيين، قبل أن يصادق النواب على قانون الجرائم الإلكترونية الجديد في الأردن. ولكن دون جدوى.