عين على الأعمال – إستقطبت الأردن أكثر من 9 مليارات دولار أمريكي (6.39 مليار دينار أردني) من خلال استثمارات الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP) منذ عام 2004، منها 4.79 مليار دولار أمريكي (3.4 مليار دينار أردني) صبّت في قطاع الطاقة. ناهيك عن المشاريع الاستثمارية التي تم الإتفاق عليها وتوقيعها مؤخرا، في ديسمبر 2022، والتي تتجاوز قيمتها 8 مليارات دولار أمريكي (5.68 مليار دينار أردني).
أطلقت الحكومة في مارس 2023 برنامجها التنفيذي للتحديث الاقتصادي (2023-2025)، والذي تتمثل أهدافه الاستراتيجية في زيادة الدخل السنوي للفرد بنسبة 3 ٪ وخلق وظائف جديدة.
هذا البرنامج هو الإطار التنفيذي لرؤية التحديث الاقتصادي، التي حددت عددا من مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص بقيمة تقديرية تبلغ 14.08 مليار دولار أمريكي (10 مليار دينار أردني) في مختلف القطاعات، مثل تحلية المياه، والمدارس، والطاقة النظيفة، والنقل، والبنية التحتية.
بشكل عام، تهدف رؤية التحديث الاقتصادي إلى جذب استثمارات بقيمة 41 مليار دولار أمريكي (29.1 مليار دينار أردني) خلال 10 سنوات.
لكن دورة مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص في الأردن طويلة نسبيًا، بدءً من طرح العطاءات وحتى الإغلاق المالي. ووفقًا لإياد الدحيات، الأمين العام السابق لوزارة المياه والري، يبلغ متوسط دورات الشراكة بين القطاعين العام والخاص في الأردن حوالي 3 سنوات. ما قد يؤدي، بالنظر أيضا إلى فترات التنفيذ، إلى تأخر تحقيق أهداف الشراكة بين القطاعين العام والخاص للحكومة للفترة 2023-2025، ناهيك عن الأهداف المرصودة في الجدول الزمني للرؤية، وهو 10 سنوات.
لكن ذلك في ذات الوقت يعني أنه من المرجح أن تتحقق الاتفاقات الموقعة في ديسمبر 2022 في غضون عامين أو ثلاثة أعوام إذا ما سارت الأمور كما هو مخطط لها، وهو ما يدعم تحقيق الحكومة لأهدافها.
في المقابل، فقد قيم البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير فعالية الشراكة بين القطاعين العام والخاص في الأردن وقابلية التعامل المصرفي عام 2018 بنسبة 60٪ و 67٪ على التوالي. ما قد يؤثر على جاذبية الاقتصاد الأردني للاستثمار الأجنبي.
إنجازات في عام 2023
في تصريح لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، قال رئيس مجلس إدارة المنتدى الاقتصادي الأردني وعضو مجلس النواب خير أبو صاليك أن الحكومة أحرزت بالفعل تقدماً على صعيد إطلاق مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
كما تم التوقيع على عدد من الاتفاقيات لبدء مشروعات الهيدروجين الاخضر والأمونيا بقيمة 5.63 مليار دولار (4 مليارات دينار)، بالاضافة الى المشروع الوطني لتحلية المياه بقيمة 2.82 مليار دولار (2 مليار دينار). وهناك المزيد من المشاريع الاستثمارية الكبرى قيد الاجراء، ومن المتوقع توقيعها في الأشهر المقبلة.
وتشمل هذه المشاريع تطوير وإدارة مطار الملك حسين الدولي والميناء متعدد الأغراض والميناء السياحي بقيمة إجمالية تصل الى 225.32 مليون دولار أمريكي (160 مليون دينار أردني).
حتى اليوم، ومنذ بداية السنة، حققت الحكومة إستثمارات في قطاع الشراكة بقيمة 8.675 مليار دولار أمريكي (6.16 مليار دينار أردني) من إجمالي الهدف المرصود في الرؤي، والبالغ 41 مليار دولار أمريكي (29.1 مليار دينار أردني)؛ أي أن الحكومة حققت 21.1٪ من المستهدف بعيد الأمد، في حال تم العمل على هذه الممشاريع كما هو مخطط له.
وتجدر الإشارة إلى أنه نظرًا لأن دورة الشراكة بين القطاعين العام والخاص في الأردن تستغرق وقتًا طويلاً نسبيًا، فمن المرجح أن تؤتي الاتفاقيات الموقعة في ديسمبر العام الماضي ثمارها ضمن الجدول الزمني للبرنامج التنفيذي للتحديث الاقتصادي.
عليه، وبكل المقاييس، يعد تحقيق أكثر من 20٪ من أي هدف بعيد الأمد مدته 10 سنوات في غضون أشهر من الإعلان عن البرنامج إنجازًا مهيبا، لاسيما في ظل العطاءات المطروحة حاليا للتنقيب عن المعادن في الأردن.
ما إن كانت الحكومة لديها القدرة على التنسيق والمحافظة على هذه الوتيرة أم لا، فهذه مسألة مختلفة تماما.
فعلى مدى 30 سنة، يظهر أن الشيء الوحيد الذي اتفقت عليه وإتسقت به حكومات الأردن المتعاقبة هو الخصخصة.
نظرة عامة على القطاع
في عام 2021، كان لدى الحكومة 22 شركة بمختلف الأحجام والتفويضات مملوكة بالكامل للحكومة. توظف هذه الشركات حوالي 11000 شخصا، وتملك أصولا تقدر قيمتها بما يتجاوز 8 مليارات دولار أمريكي (5.68 مليار دينار أردني)، بينما توظف الشركات المملوكة جزئياً من قبل الدولة، والتي تزيد حصة الدولة فيها عن 50٪، حوالي 4000 فرد، بإجمالي أصول تقدر قيمتها بأكثر من 1.3 مليار دولار أمريكي (920 مليون دينار أردني).
وبينما أطلقت الحكومة الأردنية رسميًا مشروع الشراكة بين القطاعين العام والخاص عام 2008، إلا أن تقرير الخصخصة في الأردن الصادر عن بورصة عمان (ASE) يظهر أن جهود الخصخصة واسعة النطاق مستمرة منذ عام 1996.
قبل عام 1995، بلغ متوسط حصة الحكومة في الشركات المساهمة العامة 15٪، من خلال محفظة مؤسسة الاستثمار الأردنية.
ومنذ ذلك الحين، إنخفضت أسهم الحكومة من خلال محفظة المؤسسة إلى حوالي 6٪، حيث أن معظم الأسهم المتبقية التي تملكها الحكومة تتركز في شركات البوتاس العربية، ومناجم الفوسفات الأردنية، ومصانع الأسمنت الأردنية، ومصفاة البترول الأردنية.
فبحلول عام 2015، تم بيع حوالي ثلث محفظة الاستثمار الحكومية من خلال الشراكة بين القطاعين العام والخاص، كما أوضح خبير الاستثمار في القطاع العام حمزة العلياني في مقال نشرتها له صحيفة جوردان نيوز في أغسطس 2022.
وبالمقارنة، فإن متوسط محافظ الاستثمار في القطاع العام المشتراة في الاقتصادات الناشئة حول العالم، وفقًا لصندوق النقد الدولي، يبلغ 6٪، في حين تم تقدير رصيد رأس مال الشراكات بين القطاعين العام والخاص في الأردن بما يتجاوز 22٪ من الناتج المحلي الإجمالي.
في المستقبل القريب
إن كل ما سبق يشير إلى أن الحكومة في الأردن قد تكون قادرة على مواكبة وتجاوز أهداف الاستثمار والشراكة بين القطاعين العام والخاص للعشر سنوات القادمة والمرصودة في رؤية التحديث الاقتصادي وبرنامجها التنفيذي.
رغم ذلك، فإن تحقيق هذه الأهداف، على المدى الطويل، قد يتطلب مجموعة متنوعة من التغييرات (او “إصلاحات” كما تسميها الحكومة والمنظمات الدولية) على صعيد الاقتصاد الكلي والجزئي والإطار القانوني.
فقد سجل تقييم البنك الأوروبي للإطار القانوني وبيئة الأعمال للشراكة بين القطاعين العام والخاص في الأردن نسبة 72٪ و 64٪ عام 2018، على التوالي.
لكن الأردن، منذ ذلك الحين، قام بإدخال قوانين وسياسات جديدة للشراكة بين القطاعين العام والخاص التي ستضعها هذه المشاريع التي تم توقيعها مؤخرا وتلك المرتقبة على المحك.
في خضم كل ذلك، فإن الحقيقة لا تزال أنه بالامكان تحسين قابلية الأردن للتمويل في مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص من خلال توفير “اتفاقيات مباشرة” وحقوق “تدخل”، وفقًا لتقرير مراجة البنك الأوروبي.
بالنهاية، فإنه وعلى الرغم من الصعوبات التي يواجهها قطاع الشراكة بين القطاعين العام والخاص في الأردن حاليًا، إلا أن أهداف الاستثمار الحكومية والتقدم المحرز حتى الآن يستحق الثناء. واذا ما استقطبت الأردن المزيد من المشاريع الاستثمارية في المستقبل، فإن سوق الشراكة بين القطاعين العام والخاص في البلاد تكون مهيأة للمزيد من النمو.
مع ذلك، فإن نجاح رؤية التحديث الاقتصادي للحكومة يعتمد في نهاية المطاف على قدرتها على مواجهة التحديات التي تواجه القطاع والحفاظ على وتيرة التقدم الحالية. فإذا تمكنت من القيام بذلك، يمكن أن يصبح سوق الشراكة بين القطاعين العام والخاص في الأردن وجهة جذابة بشكل متزايد للمستثمرين المحليين والأجانب في السنوات القادمة.
في نهاية المطاف، يتوقف هدف الحكومة للتحديث الاقتصادي في نهاية المطاف على قدرتها على حل أكبر عدد من مشكلات القطاع بأسرع ما يمكن، مع الحفاظ على الوتيرة الحالية. إذا نجحت في القيام بذلك، فقد يستقطب سوق الشراكة بين القطاعين العام والخاص في الأردن المزيد من المستثمرين المحليين والدوليين في السنوات القادمة.